والأصل في الأمر الوجوب وقوله جنبوه هذا أمر الأصل أنه يجب علينا أن نجنبه السواد
ولأن صبغه بالسواد في الحقيقة مناقض لحكمة الله سبحانه وتعالى
فإن الله تعالى من حكمته أن الإنسان إذا بلغ سناً معيناً ظهر فيه الشيب
فكونك تجعل هذا الشيب تحوله إلى أسود بحيث لا يتبين معنى ذلك أنك ضادت الله سبحانه وتعالى في حكمته في هذا الشيب
ومن المعلوم أن مضادة الله سبحانه وتعالى في أمره الكوني أو الشرعي لا يجوز للمسلم
فالواجب على المسلم أن يتمشى فيما قدره الله تعالى وقضاه على حسب ما شرعه الله سبحانه وتعالى له
والمشروع في هذا الأمر أن يصبغ الإنسان هذا البياض بلون غير أسود
لون يكون بين السواد وبين الصفرة بحيث يكون ادهم لا يكون أسود خالصاً
وبهذا يزول ما يريد الإنسان تجنبه أو ما يريد الإنسان ظهوره على شعره من البياض إلى لون
لكنه ليس مما ورد النهي عنه وهو السواد
الصحيح أن صبغ اللحية بالأسود حرام لا يجوز
لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتغيير الشيب وقال جنبوه السواد
وورد الوعيد على من صبغ بالسواد
وإذا اجتمع الأمر باجتنابه والوعيد على فعله كان ذلك دليلا على إنه أي الصبغ بالسواد حرام
الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بتغيير الشيب وأمر بتجنيبه السواد
وتوعد من يخضبون لحاهم بالسواد بأنهم لا يريحون رائحة الجنة
وهذا يدل على أن الصبغ بالسواد من كبائر الذنوب
فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل وأن يتجنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون ممن أطاع الله ورسوله وقد قال الله تعالى
(ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)
وقال
(ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا)
قال العلامة الألباني - رحمه الله - في
"تمام المنة في التعليق على فقه السنة"
قوله: "وكان بعضهم - يعني الصحابة - يخضب بالصفرة وبعضهم بالحناء والكتم
وبعضهم بالزعفران وخضب جماعة منهم بالسواد
قلت: أما الصبغ بغير السواد فهو ثابت عنهم وهو الموافق لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله
وأما قوله: "وخضب جماعة منهم بالسواد
قلت: إن ثبت هذا عنهم فلا حجة في ذلك لأنه خلاف السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا
وقد قال تعالى
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}
ومن الثابت عن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر الصبغ بالحناء والكتم كما تقدم
فالأخذ به هو الواجب لموافقته للسنة دون فعل من خالفهما من الصحابة الذين أشار إليهم المؤلف
ولا سيما وفي ثبوت ذلك عن بعضهم نظر كما تقدم عن ابن القيم رحمه الله تعالى ولذلك قال النووي في "المجموع" 1 / 294
اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد وظاهر عبارات أصحابنا أنه مكروه كراهة تنزيه
والصحيح بل الصواب أنه حرام وممن صرح بتحريمه صاحب "الحاوي
قال النووي: ودليل تحريمه حديث جابر
ثم ذكر حديثه الآتي في الكتاب بلفظ: "وجنبوه السواد
ولكن المؤلف - عفا الله عنا وعنه - تأوله تأويلا أبطل به دلالته ويأتي الرد عليه قريبا بإذنه عز وجل
قوله: "ذكر الحافظ في "الفتح" عن ابن شهاب الزهري أنه قال
كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه حديدا فلما نفض الوجه والأسنان تركناه
فأقول: هذا إن ثبت إسناده إلى الزهري فلا حجة فيه لأنه مقطوع موقوف عليه
ولو أنه رفعه لم يحتج به أيضا لأنه يكون مرسلا
فالعجب من المؤلف كيف يتعلق بمثله ليرد دلالة حديث جابر الآتي بعد هذا إن شاء الله تعالى مع الرد عليه
ولقد أفصح الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه "الحلال والحرام" عن الغرض من ذكره لهذا الأثر في كتابه
فإنه استشهد به على أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: "وجنبوه السواد" خاص بالشيخ الكبير الذي عم الشيب رأسه ولحيته
وقد رددت عليه في "غاية المرام" ص 83 - 84 فليراجعه من شاء
قوله: وأما حديث جابر فقال
جئ بأبي قحافة والد أبى بكر يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره بشيء وجنبوه السواد
رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي فإنه واقعة عين ووقائع الأعيان لا عموم لها
قلت: لا أرى أن الحديث من
"وقائع الأعيان التي لا عموم لها"
بل هو من باب
"الأمر للواحد أمر لجميع الأمة أم لا؟ "
" والحق الأول كما سبق بيانه في
"المقدمة: القاعدة 15"
ولذلك لما حكى الشوكاني في "النيل" 1 / 105 تفصي بعضهم من الحديث بأنه ليس في حق كل أحد تعقبه بقوله
"بأنه مبني على أن حكمه على الواحد ليس حكما على الجماعة وفيه خلاف معروف في الأصول"
واختار في مكان آخر ما رجحناه وقد نقلت كلامه في ذلك هناك
ولذلك جرى العلماء على الاحتجاج بهذا الحديث على أنه ليس خاصا بأبي قحافة وتقدم كلام النووي في ذلك قريبا
ونحوه كلام الحافظ في "الفتح" 6 / 499 و10 / 354.فليراجعه من شاء
ويؤيد ما سبق أحاديث
1-
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة"
أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والطبراني في
"الكبير"
بسند صحيح
وقال الحافظ في
"الفتح"
وصححه ابن حبان وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه وعلى تقدير ترجيح وقفه فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع
ولهذا اختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهة تحريم
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 5 / 161 بلفظ
"يسودون أشعارهم لا ينظر الله إليهم" والباقي مثله ثم قال
"رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد"
وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا رواه أبو الحسن الإخميمي في "حديثه" 2 / 11 / 1
2 -
عن أبي الدرداء مرفوعا
"من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة"
قال الهيثمي
"رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات"
وقال الحافظ 10 / 292 بعد أن عزاه للطبراني وابن أبى عاصم: "وسنده لين"
3 -
عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:
كنا يوما عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليهم اليهود فرآهم بيض اللحى فقال
"ما لكم لا تغيرون؟"
فقيل: إنهم يكرهون فقال في صلى الله عليه وسلم
"ولكنكم غيروا وإياي والسواد"
قال الهيثمى: "رواه الطبراني في
"الأوسط" وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات وهو حديث حسن"
4 -
عن عبد الله بن عمر رفعه
"الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم والسواد خضاب الكافر"
قال الهيثمي
"رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه"
قلت
فهذه الأحاديث من وقف عليها لا يتردد في القطع بحرمة الخضاب بالسواد على كل أحد
وهو قول جماعة من أهل العلم كما تقدم عن ابن القيم وقال
"إنه هو الصواب بلا ريب"
وأما حديث
"إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوكم"
رواه ابن ماجه 2 / 382 فإنه ضعيف السند فيه راويان ضعيفان وبيان ذلك في "الأحاديث الضعيفة" 2972
*********************************************
*********************************************
( إن أحسن ما خضبتم به لهذا السواد ، وأرغب لنسائكم فيكم ، وأرهب في صدور عدوكم )
قال - رحمه الله - تحت هذا الحديث
منكر
رواه ابن ماجه ( 2/382 ) ، والهيثم بن كليب في " مسنده "
( 114/2 )
عن دفاع بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي عن أبيه عن جده عن صهيب الخير رفعه
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، عبد الحميد بن صيفي - هو ابن زياد بن صيفي بن صهيب الرومي - وهو لين الحديث
ودفاع بن دغفل السدوسي ضعيف كما في
" التقريب "
والحديث منكر المتن عندي ؛ لأن ظاهره الترغيب في الخضب بالسواد وقد ثبت النهي عنه في غير ما حديث