غفران الذنوب
لا يمكن لأي إنسان عاقل حكيم، أن يكون سعيداً بحق أن لم يتأكد أن الله قد غفر له ذنوبه كلها؟ لذلك قال داود النبي أن السعادة هي "لرجل لا يحسب له الرب خطية" أي "للذي غُفِرَ إثمه، وسُترت خطيته." فكل شخص يهمه مصير نفسه الخالدة الثمينة ولا يمكن أن يهدأ باله، أو تطمئن نفسه، إلى أن يتأكد أن الله سامحه على كل ذنوبه، لأنه حقا "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه، وخسر نفسه."
من يحتاج للغفران الإلهي؟
الكتاب المقدس يُعلّمنا أننا قد أذنبنا، أي أن كل إنسان قد أخطأ، وأن أجرة الخطية هي الهلاك الأبدي ? وهو العقاب الأبدي في جهنم النار. لذلك نحتاج كلنا إلى غفران خطايانا إن كنا نريد النجاة من هذا العقاب الأبدي. أما الشخص الذي يَدّعي أنه بار لا يحتاج إلى غفران خطاياه، فهو هالك أيضاً إذ يقول الإنجيل المقدس: "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" وأيضاً "إن قلنا أننا لم نخطىء نجعله كاذباً." اذا كل إنسان يحتاج الى غفران الذنوب.
أساس الغفران الإلهي
هناك فرق بين الغفران الإلهي والغفران البشري. فالإنسان حين يسامح شخصاً آخر، فهو بتغاضى عن الخطأ ويقرر أن لا يعاقب الشخص. ولذلك لا يمكن التوفيق في المحاكم البشرية بين العدالة والرحمة. وإذا قرر أن لا يقضي بعقاب السارق والقاتل رحمة منه نحوهما، فهو لا يكون قاضياً عادلاً. ولكن الله عادل كل العدل، ورحيم لا حد لرحمته. كيف يمكن ذلك؟ الجواب هو في موت المسيح لأجلنا، فالمسيح جاء إلى هذه الأرض ليحتمل عقاب خطايانا. قال "لهذا أنا جئت إلى العالم" وقال أنه "جاء لا ليُخدَم بل ليَخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين." ولذلك يغفر الله خطايا الإنسان الذي يقبل المسيح، ويبقى الله عادلاً. وهو أيضاً رحيم وشفوق. وهكذا التقت العدالة مع الرحمة، والبر مع الشفقة. فالمسيح احتمل عقاب خطايانا "البار لأجل الأثمة لكي يُقَرّبنا إلى الله."
وهناك فرق آخر بين الغفران الإلهي والغفران البشري. فالإنسان قد يسامح شخصاً أساء إليه، ولكنّه يحقد عليه في قلبه. ولكن الغفران الإلهي كامل وأبدي. قال عنه الله: "ولن أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد. "وقال النبي ميخا عن ذلك: "وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم."
إذا غفران الله كامل، ولا يتناقض مع عدالته. لأن المسيح في محبته ونعمته احتما عقاب خطايانا.
كيف نحصل على هذا الغفران
يقول الكتاب المقدس عن الرب يسوع المسيح: "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا." ويقول أيضاً عنه: "لنا فيه الفداء، بدمه عفران الخطايا." وقال الرسول يوحنا للمؤمنين: "قد غفرات لكم الخطايا من أجل اسمه." والكتاب المقدس يُعلّمنا أن من أراد أن يحصل على غفران ذنوبه، عليه أولاً أن يعترف بأنه خاطىء أثيم يستحق العقاب. لأن من لا يعترف بأنه أذنب فهو يبقى في الموت الروحي، ولن تُغفر له ذنوبه. أما من يعترف بأنه خاطىء يستحق الهلاك الأبدي، ويكره حياة الخطيئة ويرغب رغبة قلبية صادقة في التحول عن خطاياه، فالله يُرحب به. قال السيد المسيح أنه "يكون فرح في السماء بخاطىء واحد يتوب." ولكن الإعتراف والتوبة في حد ذاتهما لا يخلصاننا، فالمسيح هو المخلص الوحيد. لذلك إذ نعترف بخطايانا ونتوب عنها (أي نرغب من أعماق قلوبنا في التحول عنها) ونؤمن بأن المسيح مات من أجلنا، ونقبله في قلوبنا، نحصل على غفران خطايانا وننال الحياة الأبدية، وهذا أعظم دليل على محبة الله. يقول الكتاب المقدس: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية." إذا، يمكن للإنسان أن يحصل على غفران الخطايا متى اعترف بها وتاب عنها وآمن بالرب يسوع.
كيف نتأكد من غفران خطايانا؟!
إن المؤمن الحقيقي يثق أن خطاياه كلّها قد غُفرت له للأسباب الآتية:
أولاً: لأن الله صادق، وكلمته ثابتة لا تتغير. قال المسيح: "من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجاً." ويقول الإنجيل: "قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه." ويقل أيضاً: "مسامحاً لحم بجميع الخطايا"، وأيضاً: "إذ لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع." ولا يسعنا المجال أن نقتبس كل الآيات التي تُؤَكد هذه الحقيقة.
ثانياً: لأن عمل المسيح الفدائي هو عم كامل، ليس فيه نفصان، فهو دفع الثمن كاملاً.
ثالثاً: لأن المؤمن يصبح ابناً روحياً لله. والله لن يطرح أولاده المحبوبين في جهنم النار، بل هو
يحبهم محبة شديدة، وأعدَّ لهم مستقبلاً سعيداً.
ماذا يحدث إذا أخطأ المؤمن
متى اعترف الإنسان بذنوبه وندم عليها ورغب في التحول عنها، وآمن بأن المسيح مات من أجله، يصبح ابناً روحياً لله. أي أن الله لا يعامله كمجرم قد عفا عنه، بل كإبن محبوب. لذلك قال الرسول يوحنا للمؤمنين: "أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد لله." والمؤمن الحقيقي لا يحب الخطيئة لأن محبة الله تملأ قلبه. ولكن المؤمن أيضاً إنسان. وهو لذلك عُرضة للوقوع في الخطيئة. لكنه لا يفرح بارتكاب الذنب، بل يحزن لأنه يعلم أن الله قدوس يكره الخطيئة. فمتى أخطأ المؤمن لا بد أن ضميره يؤنبه فيرجع إلى الله ويعترف له بخطئه ويطلب منه المعونة لكيلا يقع في الخطيئة مرة أخرى.
لذلك قال الرسول يوحنا: "إن اعترفنا بخطايانا فهو (أي الله) أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم." أما إذا تهاون المؤمن ولم يندم على خطئه ولم يعترف به، فإنه لن يتمتع بالشركة الروحية مع الله، ولن يملأ الروح القدس قلبه بالفرح. وإذا استمر في خطئه فإن الله يؤدبه كما يؤدب الآب ابنه، لكي يرجع عن الطريق الرديء. أما الشخص الذي يدعي أنه مؤمن ولكنه يعيش في الخطيئة ولا يبالي فهو ليس مؤمناً حقيقياً، لأن الإيمان الحقيقي له نتائج أكيدة كما سنرى الآن.
نتائج الإيمان وغفران الخطايا
أولاً: يحصل الإنسان على السلام القلبي الحقيقي. قال الرسول بولس: "فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح." لأنه لا يمكن لإنسان أن يتمتع بسلام حقيقي، إن لم يكن قد تأكد من غفران ذنوبه.
ثانياً: بما أن غفران الخطايا تصحبه ولادة روحية، فإن المؤمن يحصل على طبيعة جديدة وحياة جديدة تحب البر وتبغض الشر، ويقول الكتاب المقدس: "إن كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة (أي الطرق القديمة) قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً".
ثالثاً: إن غفران الذنوب والحصول على هذه الطبيعة الجديدة تصحبه رغبات جديدة فالمؤمن يحب الصلاة، لا كواجب، بل لأنه يعلم أن الله قد صار أباه، فيلذ للمؤمن أن يشكر الله على محبته ونعمته، ويطلب منه المعونة في كل حين، كما يلذ له أيضاً أن يقرأ في الكتاب المقدس.
كلمات ختامية
إن الله يريد أن يغفر للإنسان خطاياه، فهو قال قديماً: "إني لا أُسرّ بموت الشرير، بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا. "وكان المسيح يدعو الخطاة إليه قائلاً: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." والمسيح قد دفع الثمن كاملاً، إذ احتمل عقاب خطايانا. وكل من يعترف بأنه خاطىء أثيم ويرغب في التحول عن خطاياه، فإن الله يرحب به، ولا يرفضه. فمتى آمن بالمسيح الذي مات من أجله، وقبله في قلبه كرَّب وسيّد على حياته، فإنه يحصل على غفران خطاياه.
يقول الكتاب المقدس: "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، بل هو عطية الله. ليس من أعمال لكيلا يفتخر أحد. "إلاّ أن المؤمن الحقيقي لا بد أن يعمل أعمالاً صالحة لأن محبة الله تملأ قلبه. والغفران الذي يمنحه الله هو أكيد لا يمكن أن يتغير، بل هو ثابت كثبات الله. إذا يحق لنا أن نقول:
"شكراً لله على عطيته التي لا يُعبَرعنها."