وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"
((متفق عليه))
قال تعالى : {فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [ البقرة : 10] .
وقال : {يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ}
[ النساء : 108 ] .
وقال : {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [ النساء : 143] .
يقرر علم النفس الحديث أن شخصية المنافق مريضة، منقسمة على نفسها، فكأنه شخصيتان متصارعتان تعيشان فى جسد واحد: إحداهما تعبر عن نفسها خلال المظاهر الخارجية التى يراها ويسمعها الناس كالملابس والابتسامات والكلمات . .
والأخرى تعبر عن أعماقها الداخلية التى لا يطلع عليها أحد من الناس .
وهذا الصراع النفسى ينبع من أن المنافق ليس أميناً مع نفسه ، ولا مع الناس ، فهو يكذب على نفسه ؛ليرضى الناس ، ويكذب على الناس ؛ليخدعهم عن حقيقته . . والواقع أنه لا يخدعهم ، لأن أعماله لا تصدق أقواله . . وهذا التعارض بين ما يقول وما يفعل هو الذى يكشف للناس حقيقته مهما حاول إخفاءها .
فهو -إذن - يخدع نفسه ولا يخدع الناس ، فضلاً عن أن يخدع خالقه الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
ويكشف التحليل النفسى عن شخصية المنافق فيراها شخصية متآمرة بطبيعتها، تظهر غير ما تبطن . تعمل فى الظلام ، وتثير الفتن والدسائس ، وتستعين على ذلك بأساليب الاستخفاء والتبييت والتربص والتثبي والفرقة .
وشخصية المنافق هى كذلك شخصية انهتازية؛ لأن المنافق يلعب .على حبلين ، ويحاول أن يرضى فريقين متصارعين محاولاً خداعهما معاً، والاستفادة منهما معاً. .
وهذا الموقف المذبذب هو الذى اتخذه المنافقون فى كل زمان . . وللنفاق صور وأنواع شتى لا تكاد تحصر. . من أبرزها نفاق التملق ، وهو تقرب الشخص إلى الناس ولا سيما ذوى السلطة والثروة بما يغضب الله ويرضيهم ، كمدحهم بما ليس فيهم والتذلل لهم لتضيق هدف نفعى .
والدافع النفسى لنفاق التملق -كما يذكر علماء النفس - هو الخوف والطمع . . فالتملق مرض نفسى واجتماعى ينتشر بين الناس كالوباء فى عصور الانحطاط . . وهى العصور التى يبتعدون فيها عن دينهم ويضعف اعتزازهم به ، وذلك لأنه يضعف إيمانهم بالله ، فيضعف خوفهم منه ورجاؤهم فيه ، فى حين يقوى إيمانهم بالحياة الدنيا ، ويشتد حرصهم على ، ومن ثم تزداد أهمية الناس عندهم ، فيزداد الخوف منهم ، والطمع فيما
بأيديهم ، ولاسيما المال والجاه . من ذلك كله يتبين لنا كيف تلتقى النظرية السيكولوجية فى تحليل شخصية المنافق ، مع ما سبق ان أورده البيان القرآنى فى تشخيصه لسلوكيات المنافقين . .